هل يتم تطبيق القانون 194 على حساب منكوبي انفجار بيروت؟
شهدت مدينة بيروت على مراحل عمرانية عديدة، استوجبت حماية نسيجها العمراني والإجتماعي على مرّ الزمن. إذ يترسّخ في الذاكرة الإجتماعية، كيف تمّ تقسيم العاصمة بيروت إلى “شرقية وغربية” جرّاء الحرب الأهلية، وكيف تم إجبار بعض المالكين على بيع عقاراتهم بأسعارٍ زهيدة للدولة في العام ١٩٩٠. آنذاك رُمي النسيج الإجتماعي المتميز للمنطقة وآثارها وتراثها العمراني تحت عجلة إعادة الإعمار، التي تولّتها شركة “سوليدير”. وقد حصل ما حصل طيلة السنوات الماضية، من دون أن يصدر أي قانون يحمي هذه المنطقة من السماسرة، وغالبًا ما كانت التصنيفات التراثية تُغربل في ميزان المحسوبيات والمصالح الخاصة.
القانون رقم 194
حتى اليوم، تخضع البيوت التراثية لقانون نظام الآثار الصادر في العام ١٩٣٣، فيما يقبع مشروع قانون حماية الأبنية التراثية في أدراج البرلمان منذ العام ٢٠١٧، بعد مسارٍ إعداديٍّ طويل استمرّ لأكثر من ٢١ سنة.
خرق إقرار القانون رقم ١٩٤ هذا الخمول التشريعي. إذ أقرّ مجلس النواب في شهر تشرين الأوّل 2020، قانوناً يرمي إلى حماية المناطق المتضرّرة نتيجة إنفجار مرفأ بيروت. يمنع هذا القانون إجراء أي معاملة بيع أو تصرّف أو تأمين تتعلق بالعقارات المتضررة، كما يمنع تسجيلها في الدوائر العقارية، قبل الإنتهاء من كافة أشغال الترميم وموافقة وزارة الثقافة.
في هذا السياق، يصرّح وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى لموقع “أحوال”، بأنّه تم اتخاذ هذا التدبير القانوني من أجل حماية المجتمع المحلي المقيم في المناطق المنكوبة بفعل الإنفجار الكارثي. ويرى مرتضى، أنّ شوارع بيروت وأحياءها تمتاز بطابع تراثي، حتى وإن لم تكن كل الأبنية فيها تراثية، فمن الضروري الحفاظ على طابعها العمراني والتراثي الذي يعكس صورة بيروت الحضارية.
وعن الإهمال المحدّق الذي حال دون توفّر إحصاءات أو أرقام دقيقة عن عدد البنايات التراثية المتبقية في بيروت، يؤكد وزير الثقافة، على أنّ وزارة الثقافة / مديرية الآثار، قد أنجزت جردة للأبنية التراثية، ولا زالت تعمل على تحديثها وتعديلها ضمن الإمكانات البشرية والمادية المتاحة، وأنّ الوزارة جدّية في تعاملها مع هذا الملف، وفق الأولويّات التي تفرضها الأوضاع الراهنة.
وعلى الرغم من الضرورة الملحّة لتدعيم المباني التراثية بسرعة، وحماية أسقفها المهدّمة من تسرّب مياه الأمطار، لا تزال الحكومة اللبنانية في خانة المتفرّج. غير أن وزارة الثقافة، بحسب الوزير عباس مرتضى، تجري حاليًّا دراسات تفصيلية تقنية لأعمال التدعيم والترميم، وتحضّر ملفاتها لطلب المساعدة ولتأمين التمويل.
القانون من وجهة نظر السوق العقارية
من الواضح أنّ وزارة الثقافة تعمل جاهدة لمنع هدم الأبنية التراثية، ومنع تشويه تراث العاصمة وصورتها الجميلة ومحو معالمها التاريخية، التي تشكّل جزءًا من الذاكرة الوطنية الجماعية. ولكن الدولة عاجزة ماليًّا، وتقوم حتى الساعة بمناشدة المنظمات والجهات الدولية كاليونيسكو وتحالف Aliph والبنك الدولي، لكي تؤمن الإعتمادات اللازمة للتعويض على المتضررين وللقيام بأعمال التدعيم والترميم. إلى ذلك الحين، هل سيكون تطبيق القانون ١٩٤ على حساب المتضررين؟
من شأن هذا القانون أن يردع المستثمرين من استغلال المنكوبين، ولكن كيف لأصحاب الملك المحافظة على ممتلكاتهم وإعادة إعمارها في حين تحجز المصارف على أموالهم من جهة، وتعجز الحكومة عن تحمّل مسؤولياتها لمساعدتهم من جهة ثانية؟
إنطلاقًا من هذا المنظور، يحتّم رئيس الاتحاد الدولي للعقاريين العرب ورئيس نقابة الإستشاريين العقاريين، وليد موسى، ضرورة المحافظة على طابع بيروت التراثي والحضاري، وعلى رونقها الذي يرفع حجم الطلب على مناطقها في السوق العقارية، لا سيما مناطق الرميل والصيفي والمدوّر. ويقول موسى لموقع “أحوال”، إنّ المشكلة في تطبيق هذا القانون، كونه لم يلحظ أو يستثنِ بعض الحالات، لذلك فإنّ التعميم خطير وغير نافع.
حركةالبيع والشراء
فهل من العدل تجميد حركة البيع والشراء في منطقة هي أساسًا عاصمة للإستثمارات؟ وهل يمكن منع كل أصحاب العقارات في المناطق المنكوبة من البيع وعلى مدى سنتين من تاريخ صدور القانون، وهي فترة طويلة؟
يتحدّث النقيب في هذا الإطار، عن أشخاص بحاجة أن تبيع لأنّها مديونة، ومضطرة لتسديد مستحقات معينة في خضم أزمة مالية غير مسبوقة… ويرى أنّ الإستثناءات الملحوظة في القانون غير كافية، وعليها أن تطال حالات معينة كالشقق السكنية الصغيرة والمتوسطة المساحة. على الإستثناءات أيضًا أن تشمل المكاتب، لا سيما التي أفلست وأُقفلت، ويتوجّب عليها دفع مستحقات مالية مختلفة. فهذه المكاتب لن تغيّر بهوية العاصمة؛ وكذلك الأمر بالنسبة للأراضي والعقارات التي لا تتعدّى مساحتها الـ ٣٠٠ أو ٤٠٠ متر، إذ هناك مستثمرون قد اشتروا أصلًا ليبيعوا.
بحسب رئيس الاتحاد الدولي للعقاريين العرب وليد موسى، لهذا القانون انعكاسات سلبية على السوق العقارية والمستثمرين بشكل عام، وعلى بعض المتضررين من الإنفجار المؤسف بشكل خاص. برأي موسى غالبًا ما يشعر المستثمر في بيروت بالغبن، الأمر الذي يقلّص حركة الإستثمار. فبعيدًا عن تبعات الإنفجار المروّعة، هناك عقارات في بيروت غير مصنّفة على الصحيفة العقارية، وبعد بيعها، يتقدّم الشاري أو المستثمر بطلب رخصة هدم للبلدية، التي بدورها تحيل الطلب إلى وزارة الثقافة، وعندها ترتقي الوزارة إلى أنّ العقار ذات طابع تراثي وتمنع هدمه.
يقترح موسى على المعنيين إعادة طرح مشروع القانون الذي يسمح لمالكي العقارات التراثية بـ “بيع الهوا”. فهذا القانون يجيز الاستثمار في هذه العقارات ويحقق العدالة والمساواة بين المالكين، والأهم أنّه يشكّل متنفّسًا حقيقيًّا بالنسبة لمالكي العقارات المصنّفة تراثية ويعانون من ضائقة مالية.
ناريمان شلالا